فلسفة الحديث النبويّ الشريف، في 24 أبريل 2016، (مجديات أخي الحبيب الراحل المقدم مجدي صقر، رحمه الله، وطيب ثراه)!

اعتمد الدين الإسلامي عقيدة وقيما وأحكاما وفكرا ومنهجا وثقافهَ، على مصدرين أساسيين، هما القرآن الكريم كلام الله المنسوب مباشرة إلى ذاته العليّة، وهو مطلق الفهم عام النفع لا يبلى جديده، والحديث النبويّ الشريف كلام النبي محمد -صلى الله عليه، وسلم!- وحكمته التي خصّه الله بها، وهو إمّا أن يكون قولا أو فعلا أو سلوكا أو إقرارا، والذي أمر النبي أتباعه أمرا صريحا واضحا بالعمل وبالاقتداء به؛ لذا يجب أن نؤكّد أنّ أفعال النبي لا تعني بالضرورة أنّها كلّها سنّة أمر المسلمين بتقليدها وانتهاجها.

ولأنّ محمّدًا نبيّ معلّم عظيم الفكرة سامي الرّوح طاهر الجسد تقيّ النفس لا ينطق عن هوى، أصبح لكلامه الشريف من القداسة ما لقداسة شخصه الكريم، صلى الله عليه، وسلّم! ويلزم الدارس والباحث في علم الحديث النبوي أن يراعي الآتي:
أولا التأكّد من صحّة الحديث، لأن دراسة الحديث النبويّ الشريف ليست فقط من قبيل الحكي، أو مجرد التعرّف على ما كان عليه النبي أو ماذا قال أو ماذا فعل في المواقف المختلفة التي تعرّض لها عبر تاريخ حياته، بل هي بالأساس تهدف إلى تعرّف المنطق والمنهج النبوي في التفكير والإدارة واتخاذ القرار؛ لذا كان من الحكمة تركيز الجهود البحثيّة فيما تأكّدت صحّته من الأحاديث النبوية، و ذلك لعدم إهدار الوقت و الجهد، أو إساءة الفهم نتيجة تصديق خبر كاذب مغلوط عن رسول الله.
ثانيا استحضار المشهد الإنساني والصورة الكاملة والظرف والمناسبة والموضوع والتاريخ، التي ذكر فيها حديث النبي؛ وذلك لأن حديث رسول الله في الغالب الأعمّ هو نتيجة الانفعال النفسي والفكري والوجداني للنبي محمد تجاه موقف أو حدث معين، لذا فإن الفهم الصحيح لمدلول الحديث الشريف، مقيّد بفهم الأحداث والظروف والمناسبات والدواعي الإنسانية، التي ذكر فيها، وذلك أيضا لأن رواية الحديث هي بالأساس عمل إنساني قام به جلساء النبي وأصحابه ورفاقه، وليست نصا محددا دقيقا أوصى النبي بحفظه كما هو الحال في القرآن العظيم، ويعيبها اختلاف الرواية من راو لآخر، من حيث الزيادة أو النقصان، وأحيانا اختلاف اللفظ الذي ينتج عنه اختلاف المعنى المراد تبليغه، لذا فلا يجوز أن يؤخذ كلام النبي وحديثه (متن الحديث)، نصًّا مستقلا (مقتطعًا مجتزأً )، منفصلًا عن السياق والقصّة الإنسانيّة الواقعيّة التي ورد فيها، ولأن الاقتطاع والاجتزاء (الاكتفاء بالمتن)، يمكن أن يجعل من الحديث النبوي نصًّا مطلق الفهم عام النفع كالقرآن العظيم، لأنّ هناك أفعالا مخصوصة للنبي يجب علينا ألا نقلدها.
ثالثا تصنيف مضمون الحديث النبوي من خلال تحديد هدفه التعليمي، يقول الله: “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”Ø› يهدف الحديث النبوي الشريف بالأساس إلى توضيح وترسيخ مفهوم العقيدة الإسلامية (التوحيد)ØŒ في عقول وقلوب المؤمنين، كما يعمل على توضيح معنى وصور العبادة المقصودة في الآية الكريمة؛ لذا يمكن تصنيف الأحاديث النبويّة من حيث هدف ومضمون الخطاب العلمي للحديث كالآتي:
1) أحاديث العقيدة، هي الأحاديث التي تختص بشرح وتوضيح العقيدة الإسلامية، وهي تشمل أحاديث وصف الله -سبحانه، وتعالى!_ ويوم القيامة والآخرة والحساب والجنة والنار ومآلات المحسنين والمسيئين، كما تشمل أيضا أحاديث العظات والأخبار عن الأمم السابقة والأحداث اللاحقة. ويقصد بالعقائد جملة المعلومات الدينية الغيبيّة التي يؤمن بها متبعو هذا الدين دون أن يمكنهم إثباتها أو تحقيق الاستدلال العلمي على صحتها.
2) أحاديث الشعائر الدينية، وهي جملة الأحاديث التي تختص بتوضيح الشعائر الدينية من حيث التوقيت والكيفية وطريقه الأداء، ويقصد بالشعائر الدينية عبادة الله في الله، وهي الأقوال والأفعال المخصوصة التي يقصد من ورائها طاعه الله والتقرب إليه، ولا يقصد من أدائها تحقيق منفعة لأحد من خلق الله. وتشمل الشعائر الدينية: الطهارة، والصلاة، والصيام، والحج، وذكر الله، والدعاء.
3) أحاديث المعاملات الإنسانية، ويقصد بالمعاملات عباده الله في الأشياء، وهي جملة الأقوال والأفعال التي يقصد من ورائها طاعه الله مع تحقيق منافع لخلق الله، وهي تختص بتوضيح الحقوق والواجبات لكل من الأفراد والجماعات داخل المجتمع الإيماني وضبط الحدود الفاصلة بينهما، والتي بدورها تنقسم إلى المضامين الآتية:
Ø£) مضمون قيميّ، إذا كانت بالحديث موعظة عامّة، يعلّم فيها النبي أتباعه من المؤمنين ويرشدهم إلى القيم الأخلاقية العليا، كأن يحضّ على الأمانة والصدق والإخلاص في القول والعمل والتعاون والمساواة بين الناس…
ب) مضمون قانوني وتشريعي، يوضح فيه النبي للناس أفرادا أو جماعات قواعد التعامل فيما بينهم والحدود والحقوق والواجبات، ويكون عادة بصيغة العموم. ويجب أن نشير إلى أنه عند التطبيق العملي والواقعي للقانون، يختلف الحكم القضائي قليلا أو كثيرا من حالة إنسانية تخضع لهذا القانون إلى أخرى، طبقا لاختلاف أحوال الناس وزمانهم ومكانهم.
ج) مضمون قضائي، أي أن يكون الحديث النبويّ حكما قضائيّا، أي أنه يفصل في واقعة ومنازعة وقضية محددة وحالة إنسانيّة بعينها معروضة على النبي، وفيه يقضي النبي، ويحدد تحديدا دقيقا، الحقوق والواجبات لكل من الأطراف المتنازعة في القضية المعروضة عليه، ويمكننا أن نستفيد من قضاء رسول الله في القضايا التي تشابه هذه القضية في حياتنا، ولا يمكننا بحال أن نعد الأحكام القضائية التي يقضي بها النبي في بعض الحالات، قانونًا عامًّا لكل الناس على اختلاف الزمان والمكان والأحوال، لأن في ذلك تضييقًا كبيرًا عليهم.
د) مضمون شخصي، أي أن خطاب النبي في حديثه موجّه بأمر أو نهي إلى شخص بعينه أو مجموعة بشرية بعينها أو أهل زمان أو مكان بعينهم. ويجب على الدارس للحديث أن يحدد ما إذا كانت الخصوصيّة في مضمون الحديث مقصورة على المخاطب به نص الحديث، أم تتعداه إلى غيره من المسلمين
على اختلاف الزمان والمكان والحال والمستوى (الفرد والجماعة والقبيلة والإقليم والدولة والأمة).
هناك شيء معروف بين العلماء اسمه الاستشارة الاجتماعيّة الخاصّة. لكل مشكلة من المشكلات التي تعترض الإنسان عدد كبير من الحلول، تناسب الفرد صاحب المشكلة لكن بدرجات متفاوتة، فيختار المستشار الاجتماعي لصاحب المشكلة حلا يناسبه هو، وليس من المفترض أن يناسب غيره إذا وقع في المشكلة نفسها؛ فهل كان الحديث الذي قاله النبي لأحدهم مشورة شخصيّة ونمطًا ومنهجًا أمر المسلمين جميعا باتباعه.
ذلك مبلغ علمي، والله أعلي أعلم!

Related posts

Leave a Comment